الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: وهذا تنبيه على ما هو الحجة القاطعة على فساد قول النصارى، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفرق بين نفسه وبين غيره في أن دلائل الحدوث ظاهرة عليه. ثم قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة وَمَأْوَاهُ النار وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} ومعناه ظاهر. واحتج أصحابنا على أن عقاب الفساق لا يكون مخلدًا، قالوا: وذلك لأنه تعالى جعل أعظم أنواع الوعيد والتهديد في حق المشركين هو أن الله حرم عليهم الجنة وجعل مأواهم النار، وأنه ليس لهم ناصر ينصرهم ولا شافع يشفع لهم، فلو كان حال الفساق من المؤمنين كذلك لما بقي لتهديد المشركين على شركهم بهذا الوعيد فائدة. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال السمرقندي: وهو قوله: {وَقَالَ المسيح يَا بَنِى إسراءيل اعبدوا الله} يعني: وحدوا الله وأطيعوه، {رَبّى وَرَبَّكُمْ} يعني: خالقي وخالقكم، ورازقي ورازقكم. ثم قال: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله} يعني: ويموت على شركه، {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} أن يدخلها، {وَمَأْوَاهُ النار} يعني: مصيره إلى النار، {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} يعني: ليس للمشركين من مانع يمنعهم من العذاب. اهـ. .قال القرطبي: هذا قول اليعقوبية فردّ الله عليهم ذلك بحجة قاطعة مما يقرّون به؛ فقال: {وَقَالَ المسيح يا بني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ} أي إذا كان المسيح يقول: يا رب ويا الله فكيف يدعو نفسه أم كيف يسألها؟ هذا محال. {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله} قيل: وهو من قول عيسى. وقيل: ابتداء كلام من الله تعالى. والإشراك أن يعتقد معه موجدًا. وقد مضى في «آل عمران» القول في اشتقاق المسيح فلا معنى لإعادته. اهـ. .قال الخازن: .قال أبو السعود: {وَقَالَ المسيح} حال من فاعل قالوا بتقدير قد، مفيدةٌ لمزيد تقبيحِ حالهم ببيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارِهم عما أصروا عليه بما أوعدهم به، أي قالوا ذلك، وقد قال المسيح مخاطبًا لهم: {المسيح يَا بَنِى إسراءيل اعبدوا الله رَبّى وَرَبَّكُمْ} فإني عبدٌ مربوبٌ مثلُكم، فاعبدوا خالقي وخالقَكم {إِنَّهُ} أي الشأن {مَن يُشْرِكْ بالله} أي شيئًا في عبادته أو فيما يختص به من صفات الألوهية {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} فلن يدخلها أبدًا، كما لا يصل المحرم عليه إلى المحرم، فإنها دار الموحدين، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتهويل الأمر وتربية المهابة {وَمَأْوَاهُ النار} فإنها هي المعدّة للمشركين، وهذا بيان لابتلائهم بالعقاب إثرَ بيانِ حرمانِهم الثوابَ. {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} أي ما لهم من أحد ينصُرهم بإنقاذهم من النار، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة، والجمع لمراعاة المقابلة بالظالمين، واللام إما للعهد والجمع باعتبار معنى «من» كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا، ووضعه على الأول موضع الضمير للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وهو إما من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإما واردٌ من جهته تعالى تأكيدًا لمقالته عليه السلام، وتقريرًا لمضمونها، وقد قيل: إنه من كلامه عز وجل على معنى أنهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق فيما تقوّلوا على عيسى عليه السلام، فلذلك لم يساعدْهم عليه ولم ينصُرْ قولهم، ورده وأنكره، وإن كانوا معظِّمين له بذلك، ورافعين من مقداره. أو من قول عيسى عليه السلام على معنى لا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبُعْده عن المعقول، وأنت خبير بأن التعبيرَ عما حُكي عنه عليه السلام من مقابلته لقولهم الباطل بصريح الرد والإنكار، والوعيد بحرمان الجنة ودخول النار بمجرد عدم مساعدته على ذلك، ونفْي نُصْرته له، مع خُلوِّه عن الفائدة تصويرٌ للقوي بصورة الضعيف وتهوين للخطب في مقام تهويله، بل ربما يوهم ذلك بحسب الظاهر ما لا يليق بشأنه عليه السلام من توهم المساعدةِ والنُصرة، لاسيما مع ملاحظة قوله: وإن كانوا معظمين له الخ، إلا أن يحمل الكلامُ على التهكم بهم، وكذا الحالُ على تقدير كونه من تمام كلامِه عليه السلام، فإن زجْرَه عليه السلام إياهم عن قولهم الفاسد بما ذُكر من عدم الناصرِ والمساعدِ بعد زجره إياهم بما مر من الرد الأكيدِ والوعيدِ الشديد بمعزِلٍ من الإفادة والتأثير، ولا سبيل هاهنا إلى الاعتذار بالتهكم. اهـ. .قال الألوسي: {إنَّهُ} أي الشأن {مَن يُشْرِكْ بالله} أي شيئًا في عبادته سبحانه أو فيما يختص به من الصفات والأفعال كنسبة علم الغيب. وإحياء الموتى بالذات إلى عيسى عليه السلام {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} لأنها دار الموحدين، والمراد يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم، فالتحريم مجاز مرسل أو استعارة تبعية للمنع إذ لا تكليف ثمة، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتهويل الآمر وتربية المهابة {وَمَأْوَاهُ النار} فإنها المعدة للمشركين وهذا بيان لابتلائهم بالعقاب إثر بيان حرمانهم الثواب، ولا يخفى ما في هذه الجملة من الإشارة إلى قوة المقتضى لإدخاله النار {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} أي ما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار وإدخالهم الجنة، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة، والجمع لمراعاة المقابلة بالظالمين. وقيل: ليعلم نفي الناصر من باب أولى لأنه إذا لم ينصرهم الجم الغفير، فكيف ينصرهم الواحد منهم؟ا وقيل: إن ذلك جار على زعمهم أن لهم أنصارًا كثيرة، فنفى ذلك تهكمًا بهم، واللام إما للعهد والجمع باعتبار معنى «من» كما أن إفراد الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، وإما للجنس وهم يدخلون فيه دخولًا أوليًا، ووضعه على الأول: موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وهو إما من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإما وارد من جهته تعالى تأكيدًا لمقالته عليه السلام وتقريرًا لمضمونها. اهـ. .قال ابن عاشور: استئناف ابتدائي لإبطال ما عليه النّصارى، يناسب الانتهاء من إبطال ما عليه اليهود. وقد مضى القول آنفًا في نظير قوله: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابنُ مريم قل فمن يملك من الله شيئًا} [المائدة: 17] ومَن نُسب إليه هذا القولُ من طوائف النّصارى. والواو في قوله: {وقال المسيح} واو الحال. والجملة حال من {الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح}، أي قالوا ذلك في حال نِداء المسيح لبني إسرائيل بأنّ الله ربّه وربّهم، أي لا شبهة لهم، فهم قالوا: إنّ الله اتّحد بالمسيح؛ في حال أنّ المسيح الّذي يزعمون أنهم آمنوا به والّذي نسبوه إليه قد كذّبهم، لأنّ قوله: {ربّي وربّكم}، يناقض قولهم: {إنّ الله هو المسيح}، لأنّه لا يكون إلاّ مربُوبًا، وذلك مفاد قوله: {ربّي}، ولأنّه لا يكون مع الله إله آخر، وذلك مفاد قوله: {وربَّكم}، ولذلك عُقّب بجملة {إنّه مَن يشرك بالله فقَد حرّم الله عليه الجنَّة}. فيجوز أن تكون هذه الجملة حكاية لكلام صدر من عيسى عليه السّلام فتكون تعليلًا للأمر بعبادة الله. ووقوع «إنّ» في مثل هذا المقام تغني غَناء فاء التّفريع وتفيد التّعليل. وفي حكايته تعريض بأنّ قولهم ذلك قد أوقعهم في الشرك وإن كانوا يظنّون أنّهم اجتنبوه حذرًا من الوقوع فيما حذّر منه المسيح، لأنّ الّذين قالوا: إنّ الله هو المسيح. أرادوا الاتّحاد بالله وأنّه هو هُو. وهذا قول اليعاقبة كما تقدّم آنفًا، وفي سورة النّساء. وذلك شرك لا محالة، بل هو أشدّ، لأنّهم أشركوا مع الله غيره ومزجوه به فوقعوا في الشّرك وإن راموا تجنّب تعدّد الآلهة، فقد أبطل الله قولهم بشهادة كلام من نسبوا إليه الإلهية إبطالًا تامًّا. وإن كانت الجملة من كلام الله تعالى فهو تذييل لإثبات كفرهم وزيادة تنبيه على بطلان معتقدهم وتعريض بهم بأنّهم قد أشركوا بالله من حيث أرادوا التّوحيد. والضّمير المُقترن بإنّ ضمير الشأن يدلّ على العناية بالخبر الوارد بعده. ومعنى {حَرّم الله عليه الجَنّة} منعها منه، أي من الكون فيها. والمأوى: المكان الّذي يأوى إليه الشيء، أي يرجع إليه. وجملة {وما للظّالمين من أنصار} يحتمل أيضًا أن تكون من كلام المسيح عليه السلام على احتمال أن يكون قوله: {إنّه من يشرك بالله} من كلامه، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى تذييلًا لكلام المسيح على ذلك الاحتمال، أو تذييلًا لكلام الله تعالى على الاحتمال الآخر. والمراد بالظّالمين المشركون {إنّ الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]، أي ما للمشركين من أنصار ينصرونهم لينقذوهم من عذاب النّار. فالتّقدير: ومأواه النّار لا محالة ولا طمع له في التّخلّص منه بواسطة نصير، فبالأحرى أن لا يتخلّص بدون نصير. اهـ.
|